خبير رياضي يقدم “خارطة طريق” ناجعة لمحاربة آفة “شغب الملاعب”

عاد شغب جمهور ملاعب كرة القدم ليضرب بقوة عقب إعادة فتح الملاعب بعد عامين من الإغلاق بسبب جائحة كورونا، حيث شهدت مباريات أحداث شغب سُجِّلت أخطرها خلال مباراة الجيش الملكي والمغرب الفاسي قبل شهر؛ إذ أسفرت عن عدد من الإصابات في صفوف الجمهور وقوات الأمن وخسائر مادية كبيرة.

وإذا كانت مواجهة هذه الظاهرة المستفحلة ترتكز حاليا على المقاربة الأمنية، فإن هذه المقاربة لن تمكن من تحقيق المبتغى منها، بحسب رشيد لوستيك، أستاذ بمعهد مولاي رشيد لتكوين الأطر مدرب وطني، الذي شدد على أنه يتعين معالجة جملة من الأسباب التي تشكل وقودا لشغب الملاعب قبل أن ينفجر على المدرجات.

وأوضح الخبير الرياضي ذاته، في ورقة بحثية قدمها ضمن ندوة نظمتها المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية بالرباط حول آفة شغب الملاعب”، أن هذه الظاهرة التي ما فتئ خطرها يتزايد في المغرب، تنجم عن مجموعة من الأسباب الداخلية والخارجية، وهو ما يتطلب اعتماد مقاربة تشاركية بين جميع المتدخلين لمواجهتها.

وبخصوص الأسباب الداخلية للعنف داخل الملاعب الرياضية، قال لوستيك إن التصريحات غير المناسبة لرؤساء الأندية والمدربين واللاعبين، قبل المباريات، يمكن أن ينجم عنها عنف الجمهور، لأنهم يستعملون أحيانا كلمات تنطوي على عنف، أو غير ملائمة للسياق الذي ستجرى فيه المباراة، ما يجعل الجمهور مشحونا أكثر، ومن ثم ارتفاع قابليته للانخراط في أعمال الشغب.

وأضاف أن جميع مكونات لعبة كرة القدم لديها مسؤولية في اندلاع أعمال الشغب في الملاعب، مشيرا إلى أن السلوك الجامح للمدرب أو اللاعب أثناء المباراة، يؤدي إلى استفزاز جمهور الفريق المنافس، فيتولد عنه الشغب.

وتوقف الخبير الرياضي عند مشكل ضعف التواصل لدى أندية كرة القدم المغربية، معتبرا أن مسيري الفرق يكون لديهم أحيانا مشكل في التواصل مع الجمهور، فعندما يعاني الفريق من أزمة مادية، مثلا، لا يخبرون بذلك الجمهور، ومن ثم يصير المشكل داخليا يؤدي إلى مشاكل أخرى، مثل إضراب اللاعبين عن التداريب، ما ينعكس على أداء ونتائج الفريق، وهو ما لا يُرضي الجمهور فيعبّر عن رفضه بالعنف، دون معرفة السبب الرئيسي لتراجع أداء فريقه.

وفيما يتعلق بالأسباب الخارجية لشغب الملاعب الرياضية، اعتبر لوستيك أن مواقع التواصل الاجتماعي تلعب دورا في دفع الجمهور إلى العنف، من خلال المشاحنات التي تجري على متن هذه المواقع بين جماهير الفرق المتنافسة، سواء من خلال بث التصريحات أو الصور والرسوم الساخرة.

وأبرز المتحدث ذاته أن هناك عوامل خارجية أخرى، مثل الوضعية الاجتماعية الصعبة التي تجعل الشخص ميالا إلى العنف، والهدر المدرسي أو الفشل في العمل، إضافة إلى المشاكل النفسية التي تجعل بعض فئات الجمهور “تشعر بالراحة عند القيام بأعمال الشغب”، مشيرا إلى أن بعض المنابر الصحافية تساهم بدورها في تأجيج أعمال العنف داخل الملاعب، من خلال عدم إخفاء صحافيين لانتماءاتهم إلى الفرق الرياضية، وهو ما يجعل الفرق المنافسة ترى أنهم لن يكونوا محايدين في تعليقهم وتغطيتهم للمباريات.

سبب آخر يؤدي إلى شغب الملاعب يتعلق بتنظيم المباريات، ذلك أن هناك بعض ملاعب كرة القدم توجد في قلب المدن ووسط الأحياء المأهولة بالسكان، ما يجعل مهمة محاصرة أعمال الشغب عند اندلاعها أمرًا صعبا، بحسب لوستيك، موردا أن هذه الوضعية تجعل الشغب ينتقل من داخل الملعب إلى خارجه، ومن ثم تعريض ممتلكات الناس للتخريب.

واعتبر الخبير الرياضي عينه أن تنظيم مباريات كرة القدم في المغرب “يعتبر مشكلا كبيرا”، معرّجا على الفوضى التي شابت عملية بيع تذاكر مباراة الرجاء البيضاوي والأهلي المصري التي جرت يوم الأربعاء الماضي، حيث فوضت الشركة المكلفة بتنظيم المباراة بيع التذاكر لوكالة للخدمات السريعة، ما خلق ازدحاما شديدا على الشبابيك.

ونبه الأستاذ بمعهد مولاي رشيد لتكوين الأطر إلى أن أعمال العنف التي تتزايد وتيرتها في الملاعب المغربية، لا تشكل خطرا أمنيا فحسب، بل إن تأثيرها السلبي يطال مختلف مكونات لعبة كرة القدم، ومن ذلك عزوف الجماهير عن حضور المباريات خوفا من أعمال العنف، وبالتالي حرمان الأندية من المداخيل المالية المتأتية من بيع التذاكر، إضافة إلى الخسائر التي تتكبدها جراء الغرامات التي تفرضها جامعة كرة القدم على الأندية التي يتورط جمهورها في أعمال الشغب، والسمعة السيئة للنادي، ما يصعّب عليه العثور على مستشهرين.

ولمحاصرة هذه الظاهرة التي تزداد استفحالا، شدد رشيد لوستيك على ضرورة اعتماد مقاربة شمولية يشترك فيها جميع المتدخلين، داعيا إلى تحيين القانون المتعلق بمحاربة العنف في الملاعب، الذي اعتبر أنه غير متكامل، حيث لا يتضمن أي بند حول العقوبة الخاصة بالقاصرين، “لأن المسؤولين الذين وضعوا القانون لم يُشركوا مختلف الأطراف المعنية”، على حد تعبيره.

وأكد المتحدث ذاته على عدم تهويل شغب الملاعب والاعتقاد بأنه يقتصر فقط على مجتمعات الدول النامية، أو أن الأشخاص الذين يقومون به هم فقط من الطبقة الاجتماعية الهشة، مبرزا أن دولا متقدمة عانت من هذه الآفة، مثل بريطانيا، لكنها تمكنت من إيجاد حلول لها، وذلك بناء على تشخيص انتهى بتوصيات صيغت بمقاربة تشاركية، وتضمنت مجموعة من الإجراءات، أولها رفع سعر تذاكر الدخول إلى الملاعب.

وإذا كان هذا الحل ملائما في بريطانيا، فإنه قد لا يكون مناسبا بالنسبة للمغرب، لأنه سيحرم فئات من الجمهور ذات القدرة الشرائية الضعيفة من الدخول إلى ملاعب كرة القدم رغم أنها لا تمارس أعمال الشغب. ولتجاوز هذا الأمر، دعا لوستيك إلى وضع حلول ملائمة للسياق المغربي ومنسجمة مع قيم المغاربة.

ومن بين التوصيات التي قدمها بناء على البحث الذي قام به، الاهتمام بالجانب الأمني داخل الملاعب، من خلال تحديث بنيتها، مستحضرا في هذا الإطار واقعة وفاة 11 شخصا في ملعب مولاي الحسن بالرباط في سهرة للمطرب الشعبي عبد العزيز الستاتي، حيث سقطت عليهم حواجز حديدية، داعيا إلى الاستعانة بمواد أخرى غير الحديد حفاظا على سلامة الجمهور.

وفي الجانب الأمني أيضا، نبه المتحدث ذاته إلى أن الشرطة بزي رسمي لا يجب أن تكون داخل الملعب، داعيا إلى اعتماد النظام المعمول به في أوروبا، حيث تتولى عناصر الشرطة بالزي الرسمي مهمة تفتيش الجمهور عند بوابات الملعب منعا لإدخال أي أدوات يمكن استعمالها في العنف، مشيرا إلى أن فرسنا وضعت قانونا يُمنع بموجبه إدخال حتى قنينة الماء إلى الملعب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار